عوامل الغاء عمليات هبوط الطائرات



تضاء أحزمة المقاعد وتبدأ الطائرة في الهبوط التدريجي إلى وجهة الوصول ويسمع من خلف الميكرفون صوت أحد ملاحي المقصورة معلناً للركاب بداية النزول التدريجي لمحطة الوصول مؤكداً عليهم التأكد من ربط أحزمة مقاعدهم، يقوم الركاب عندها بالتهيؤ بتلهف للحظة هبوط الطائرة في محطة الوصول، وقد يكون البعض منهم قد أمضى الساعات الطوال في سفر متواصل ومن مسافات بعيدة. منهم من ينتظر مقابلة عزيز ومنهم من يسعى لطلب الرزق، ولا يُستثنى من ذلك طاقم ملاحي الطائرة وعلى رأسهم قائدها الذي قضى عدة ساعات خلف مقود الطائرة وهمه الأوحد إيصال الطائرة بركابها إلى مقصدها بسلام في الوقت المحدد حيث هناك من يكون مستقبلاً للركاب القادمين أو مودعاً لركاب مغادرين سيستقلون نفس الطائرة.
تقترب الطائرة من مشارف المدينة والكل ينتظر لحظة هبوطها،تخفق القلوب كلما دنت الطائرة من المطار، وعلى حين غرة يُسمع ارتفاع صوت أزيز المحركات وترتفع الطائرة فجأة إلى عنان السماء، إلى المكان الآمن لها كما دُرِّب قائد الطائرة بالتخطيط للصعود بها بدلاً من الهبوط إذا كان هناك أدنى شك قد يؤثر على سلامتها وسلامة ركابها، متفهماً ما قد ينتج عن ذلك من تساؤلات وعدم رضى لدى هؤلاء الركاب، والذين قد يصاب البعض منهم بالغثيان نتيجة الصعود المفاجئ للطائرة. وبعد وصول الطائرة إلى الارتفاع الآمن لها، يُبدد قائد الطائرة مخاوف ركاب طائرته متحدثاً إليهم ومبرراً لهم من خلف المقود أسباب إلغاء عملية الهبوط ومُعلمهم عن: إما معاودة الهبوط أو التوجه إلى وجهة آمنة أخرى والتي تسبب تكاليف باهظة تتكبدها بصدر رحب الناقلات الجوية، وفي مقدمتهم الخطوط السعودية. فسلامتك عزيزي الراكب هي هدفنا الأول ونستميحك عذراً لنشرح لك بعض الأسباب التي تدعو قائد الطائرة لإلغاء عملية هبوط الطائرة ونوجزها فيما يلي:-
1- العواصف الرعدية :
يقول الله سبحانه وتعالى في محكم آياته: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ} “النور:43″. إيجاز إلهي عظيم لمراحل تكوين العاصفة الرعدية تبدأ بتكون السحاب بالعديد من الطرق نذكر هنا أكثرها شيوعاً، والتي تتـــكون نتيجة لما يعرف بالتيارات التصاعدية نتيجة تصاعد الهواء الحار المشبع ببخار الماء والأقل كثــــافة إلى أعلى وهبـــوط الهواء البـــارد الأكثر كــثافة ووزناً إلى الأسفل يصـــحب ذلك اضطرابات جوية شكل رقم 1.
تسبب فيما يعرف بالمطبات الهوائية والتي قد تصل من الشدة إلى إلغاء قائد الطائرة لعملية الهبوط إذا كانت في حيز المرحلة النهائية لعملية هبوط الطائرة، يأتي بعد ذلك دور الرياح لتجميع تلك الكتل المتفرقة والتي سنتطرق هنا للأعنف منها، وذلك عند تكوين أبراج عملاقة من السحب التراكمية تتعاظم فيها قوة التيار التصاعدي إلى معدل 3000 قدم في الدقيقة تنمو على إثره قطيرات الماء إلى قطرات كبيرة يتطاير البعض منها خارج السحب على شكل زخات من المطر الودق والبعض الآخر يندفع مع قوة التيار التصاعدي إلى طبقات الجو العليا، تتجمد على أثره تلك القطرات نتيجة انخفاض درجة الحرارة إلــــى ما تحت درجة الصفر المئوي لتكون كويرات جليدية صغيرة تبلغ أقطارها بين المليمتر والسنتيمتر الواحد، تلتحم مع ما هو أصغر منها من قطيرات الماء وبلورات الجليد برد لتتجمع خلال دورة التيارات التصاعدية والتيارات الهابطة لتكون جبالاً عملاقة من السحب جبال فيها من برد تتولد منها طاقة كهربائية تصدر وميضاً شديد التوهج فيما يسمى بالبرق والذي يعتبر أكثر الظواهر الطبيعية إثارةً للعجب، حيـــث إن آليـــة تكهرب السحب الماطـــرة لا يزال عصياً على الإدراك، والتي تتــــوامض بتواترات قـــد تـــزيد على 100 ومضة في الدقيقة سنا برقه ينتج عنه قدرة طاقية تساوي بضع مئات من الميغاواطات، تعادل قدرة محطة نووية صغيرة لتوليد الطاقة الكهربائية. عندها تكون العاصفة الرعدية في أوج ضخامتها، حيث قد يصل حجم قطرها الدائري من 8 -50 كم ويصل ارتفاعها إلى 17000 متر. تتزايد معه التيارات الهوائية التصاعدية لتصل إلى معــــدل 1800 متر في الدقيقـــة لتحمل هذا العملاق الضخم والذي تحركه الرياح حيث يشاء الله عز وجل. شكل رقم 2.
محدثةً اضطرابات جوية ضخمة وعواصف أرضية، خاصة في مقدمة العاصفة يعقبها تيارات هوائية هابطة شديدة تتلاصق مع التيارات التصاعدية محدثةً فيما يسمى بالانفجـــارات الميكـــروية Micro Bursts تتساقط معه الأمطار الغزيرة مسببة تغيراً حاداً في درجة الحرارة وارتفاعاً في الضغط الجوي مولدةً رياحاً عاصفية سطحية قد تصل سرعتها إلى 130كم في الساعة مسببة اضطرابات جوية أفقية هائلة ينتج عنها حزم رياحية أفقية وعمودية قد تصل لعشرات الكيلو مترات حول العاصفة مثيرةً زوابع من العواصف الرملية الكثيفة، مسببة تدنياً في مجال الرؤية الأفقية وتخلخلاً في الضغط الجوي وتذبذباً في درجة الحرارة وتغيراً مفاجئاً في اتجاهات الرياح الأرضيـة بسبب الحزم الرياحية مما قد يضطر قائد الطائرة معها في حالة وجود طائرته أثناء مرحلة نزولها النهائي في حيز تأثير العاصفة إلى الغاء عملية الهبوط. إما لعدم تمكنه من التحـــكم في سرعة وتوازن الطائرة أو لعدم قدرته على رؤية مدرج الهبـــوط، وتمثل العواصف الرعدية وتأثيراتها الجانبية أكثر التحديات التي تواجه المهتمين بسلامة الطيران، بل وأكثرها شيوعاً في عمليات إلغاء عملية الهبوط، وسنتحدث عزيزي الراكب في العدد القادم عن كيفية التخطيط الوقائي والآني لتــفادي مخاطر العواصف الرعدية، وعن كيفية تفادي قائد الطائرة من الاقتراب بطائرته من مثل هذه العواصف الرعدية.
2- المطبات الهوائية :
هناك العديد من العوامل التي تسبب المطبات والدوامات الهوائية القريبة من سطح الأرض، والتي قد تصل من الحدة إلى عدم تمكن قائد الطائرة من الحفاظ على سرعة وتوازن الطائرة أو على معدل نزولها التدريجي المنتظم تجاه المدرج، تستدعيه إلى إلغاء عملية الهبوط نذكر منها باقتضاب ما يلي:-
تحرك جبــــهة هوائية بسرعة تزيد على 15 عقدة جوية، وباختلاف في درجة الحرارة 5 درجـــات مئوية أو أكثر عن الوسط المحيط بها.
3- انخفاض مجال الرؤية الأفقية :
يعتمد قائد الطائرة في المقام الأول في توجيه الطائرة على أجهزة الطائرة الملاحية، والتي تستقبل إشارات ملاحية قد تكون: إما عن طريق الأقمار الصناعية أو عن طريق أجهزة إرسال وتوجيه أرضية، وخاصة في مراحل الهبوط الأخيرة إلى أن تصل الطائرة إلى ارتفاع عمودي قد يصل في الغالب إلى 100 قدم قبل بداية المدرج، وقد تكون في بعض الأحيان أقل من ذلك حسب متطلبات الناقل الجوي، وكذلك حسب طراز الطائرة وحسب قدرات المطار، عندها لابد من رؤية المدرج لكي يتمكن قائد الطائرة من الهبوط الآمن بها أو إلغاء عملية الهبوط نتيجة تدني مستوى مجال الرؤية الأفقية وعدم قدرته على الهبوط بها نذكر منها:-
الضباب : تنخفض درجة حرارة الأرض نتيجة عملية الإشعاع في الليالي الصافية لتصبح أبرد من الهواء الذي فوقها، ومع توافر هواء مستقر ورطوبة نسبية عالية فى أول الليل تصل فيه درجة الحرارة إلى درجة الندى مُشكلةً طبقة من الضباب الأرضي.
4- عوامل أخرى على سبيل المثال :
شــــــدة ســــــرعة الـرياح الجانبية أو الخلفية عن الحد المسموح به للطائرة.
5- عوامل تقنية على سبيل المثال :
خلل فني في أجهزة الطائرة : وهذا قلَما يحدث مقارنةً مع العوامل الأخرى التي ذكرناها آنفاً، والذي قد يكون في معظم الاحيان ناتجاً عـن خـلل فنـــي في شبكة الإشعار لمنظـــــومة العجلات أو أجهزة الملاحة أو أجهزة التحكم، ومع ذلك فقد يلجأ قائد الطائرة إلى النظــام الاحتياطي في حالة الاشتباه إذا تأكد من تعثر عمل النظام الأساسي.
ورغم ماتقدم ذكره، فإن الطـــائـــرة ما زالت تعتبر في وقتنا الراهن من أكثر وسائل النقل أمناً على الإطلاق، حيث بلغ معدل حوادث الطائرات المميتة في العالم خلال العشر سنوات الماضية حادثة واحدة مميتة لكل مليون رحلة، وضحية واحدة فقط لكل ثلاثة ملايين راكب أي بمعدل 600 ضحية سنوياً على مستوى العالم ككل، والتي تقل بكثير عن حوادث السير السنوي في بعض المدن الكبرى، .وذلك نظراً لما تعتمد عليه شركات التصنيع من تقنيات عالية في صناعة الطائرات وما توليه منظمات اتحاد النقل الجوي الدولية من رعاية ومتابعة لأنظمة السلامة تحت معايير ومقاييس دولية، وما تفرضه هيئات الطيران المدني من قوانيين دولية صارمة تهدف جميعها إلى الحفاظ على ســـلامة الركاب.

Comments